فى عام 1982 ظهر كتاب إدارى جديد أحدث ضجة كبيرة فى أوساط المتخصصين و الخبراء و رجال الأعمال بأمريكا ، وسرعان ما أصبح الكتاب الأكثر مبيعا و إنتشارا ، و كان المؤلف هو أحد الخبراء و المتخصصين المشهورين فى المجال الإدارى و الإستشارات و كان الكتاب اسمه ( البحث عن الإمتياز ) In Search of Excellence .
و كان الكتاب يدور حول دراسة أهم الشركات التجارية و عددهم 43 شركة فى أمريكا و إستخراج منها مجموعة من الإستراتيجيات و الأساليب التى أدت إلى تفوقها و تميزها بهذا الشكل ، واصبح هذا الكتاب المنهج الرئيسى للعديد من المتعلمين و الدارسين لمجال الإدارة و أصبح الكتاب المقدس بالنسبة للخبراء و المتخصصين و رجال الأعمال فى هذا الوقت ، ولكن المفاجأة أن بعد نشر هذا الكتاب بعامين فقط اى فى عام 1984 نشر مجلة Business Week صدمة و فضحيه عن ثلث عدد تلك الشركات التى درسها توم بيترز مؤلف الكتاب و صدرها كأنها النموذج المثالى للشركات التى يجب أن نتبعها و نحظو حظوها قد بدأت فى التهاوى المالى .
فإذا كان أفضل الكتب مبيعا فى تاريخ مجال إدارة الأعمال لا يمكن الاعتماد عليه و على ما جاء فيه ، و بعد مرور عامين من نشره أصبح الكلام بلا فائدة ، فأين يمكن أن نجد الحقيقة بشأن الأمور اللازمة لنمو الأنشطة التجارية ؟
دعنا نتفق أن كتب الإدارة و العلوم الإدارية هى ليست قرأن ، وما يصلح مع شركة قد لا يصلح مع شركة أخرى و ذلك حسب حجم الشركة ، و ثقافة مؤسسيها ، و رؤيتها وأهدافها ، والقطاع والسوق الذى تعمل به والبلد التى أنشأت فيها الشركة، لهذا قد نستعين بالكتب الإدارية أو الخبراء والإستشاريين للتعلم ومعرفة القواعد العامة و لكن هذا لا يجدى نفعا فى كثير من الأحيان إذا لم نتمتع بروح رائد الأعمال .
فما الذى أقصده بروح رائد الأعمال ؟
وحتى أستطيع أن أجيبك عن هذا السؤال ، دعنى اسأل من هو رائد الأعمال فى الأساس ؟
رائد الأعمال هو شخص يكتشف حل لمشكلة ما و يحاول أن يقوم بحلها تحت مسمى شركة و فى ظل قلة الموارد المتاحة سواء كانت مادية أو بشرية أو مالية وذلك فى ظروف ضبابية وفى ظل مخاطره كبيرة .
وما أقصد هنا بروح رائد الأعمال ، هو أن نحاول أن نتعلم من خلال التجريب و الممارسة ، فالتعلم عن طريق الممارسة هو الوسيلة الأولى الذى أكتشف بها الإنسان القديم الحياة على الأرض وأكتشف من خلالها النار وأكتشف كيف يبقى على قيد الحياة فى الغابات الموحشة .
يقول روجر شانك وهو عالم نفس تربوى : نحن نتعلم بالممارسة ، فأنت قد تعلمت وظيفتك أثناء تأديتك لها بالفعل ، وليس بالإصغاء لما يعلمه لك المحاضرون أو بإستظهار الحقائق والأرقام المرتبطة بهذه الوظيفة. عندما نعلم أحد الأطفال ركوب الدراجة فنحن لا نلقى عليه محاضرة عن أسلوب استخدام دواسة القدم ،أو نناقشه فى الأساليب التى يمكنه أن يحتفظ بها بتوازنه فوق الدراجة . بدلا من ذلك نحن نضعه فوق الدراجة ونجعله يمسك بمقودها ، ونسمحله بالإنطلاق عندما نستشعر أنه قد نجح فى تعلم كيفية القيام بهذا الأمر. يحتاج الطفل إلى أن يقع وينهض و يواصل التدرب بمفرده حتى يتقن ركوب الدراجة .وكلنا قد تعلم بشكل أو بأخر من خلال تلك التجربة ، والوقوع فى الخطأ و التدرب .
والأساس فى ريادة الأعمال يعتمد بشكل كبير على الممارسة و التعلم من الأخطاء خلال هذه الرحلة ، ولكن هذا يكون صعبا و مؤلما ومكلفا جدا ولهذا لا نجد الكثير من الناس رواد أعمال ، لأن الموضوع مرهق وفى كل خطوة ستجد الكثير من العقبات والتحديات ، فرائد الأعمال يبدأ رحلته بإكتشاف حل لمشكلة ما ، ثم يحاول معرفة ما يحتاجه السوق والعملاء ودراسة المنافسين وأسعارهم وخدماتهم ومنتجاتهم المقدمه للعملاء والمستهلكين ويحاول أن يبنى شركة ناشئة صغيرة تقوم بتقديم حل مناسب للشريحة المستهدفه يحل بها المشكلة التى وجدها رائد الأعمال وعمل على حلها وتقديمها للعملاء والمستهلكين بأسعار مناسبة .
للأسف يتم تعليمنا فى مجال ريادة الأعمال بشكل خاطىء ، فالخبراء يعلموننا أن رائد الأعمال هو شخص عبقرى ومبدع وخارق للطبيعة ويتحمل الكثير من الصدمات ، ويعلموننا قواعد وأسس وإستراتيجيات الشركات الناشئة المبتكره و التى سرعان ما اصبحت شركات عملاقة.
ولكن الحقيقة هى أن رائد الأعمال هو شخص عادى يتمتع ببعض المهارات والصفات والتى ليست بالضرورة أن تكون فى كل الأشخاص ، فهناك رواد أعمال خجلويين و إنطوائيين وهناك رواد أعمال منفتحيين وإنبساطيين ، وهناك رائد الأعمال الطويل وهناك رائد الأعمال القصير ، فليس هناك سمات أو صفات ثابته لرائد الأعمال نستطيع أن نقيس من خلالها هل نحن رواد أعمال وينطبق علينا تلك الصفات والسمات الشكلية والشخصية ام لا .
بالإضافة إلى تلك القواعد والإستراتيجيات العلمية منها ما هو عام ينطبق على جميع المشاريع ومنها ما هو خاص ينطبق على المشاريع الكبرى والتى لديها ملايين من الجنيهات أو الدولارات أو حصلت على تمويل من جهة ما بعلاقة ما فأستطاعت أن تقوم بدراسة السوق بشكل كبير ، ولكن أغلب الطامحين أو من يريدون أن يكونوا فى هذا العالم ليس لديهم تلك القدرات، فما يملكونه فقط مجرد حلم وفكرة ورؤية وشغف والإصرار والمثابرة على تحقيق شىء وتقديم شىء يحل مشكلة موجوده لدى الشريحة المستهدفه لهم وتقديم القيمة المضافة و التى ستجعل العالم بشكل مختلف ، وهو الشكل الذى يريد رائد الأعمال أن يرى العالم عليه.
فمن علم البسطاء من أصحاب البيزنس فى العالم من حولنا كيفية إنشاء مشروع صغير أو متناهى الصغر أو متوسط أو شركة ناشئة ناجحة ؟ من علمهم كيف يحصلون على التمويل وتحقيق أهدافهم ؟
بداية من كشك صغير وصولا حتى إنشاء متجر إلكترونى و العمل عليه ، والإجابة هى الحاجة أم الإختراع.
يقول ريدينج : ريادة الأعمال يتم تعلمها بشكل واضح فى الميدان ، وأن هناك إختلاف كبير وجسيم بين فهم النظرية و بين الحياة على أرض الواقع.
و فى نهاية هذا المقال والذى أنا متقين أنه سيكون محل جدل و نقاش ، لا تنسوا أن تعيشوا بإيجابية وأن تكونوا ملهمين للأخرين .
المدون : عبدالرحمن عثمان
مؤلف كتاب بقرة باللون البنفسجى
مؤلف كتاب أرجوك لا تحترق وظيفيا .